Wednesday, 20 December 2006

تعريب الطب في سوريا: التجربةفشلت ؟


بدأ تدريس الطب بالعربية في سوريا منذ نشأة جامعة دمشق. ففي عام 1919 افتتح معهد الطب العربي الذي شكّل، مع معهد الحقوق بدمشق، نواة الجامعة السورية التي تأسست رسمياً سنة 1923، وتغير اسمها فيما بعد إلى "جامعة دمشق". وقد بدأت حركة تعريب الطب منذ إنشاء المعهد، الذي تحول إلى كلية الطب لاحقاً. وكان للأساتذة الأوائل في المعهد فضل ترجمة المصطلحات العلمية ووضع الترجمات والمؤلفات الطبية العربية، كما بدأوا عام 1924 بإصدار المجلة الطبية العربية. وكما كانت اللغة العربية لغة التدريس في جميع كليات وفروع جامعة دمشق، فإنها كانت كذلك في الجامعات الأخرى التي أنشأت فيما بعد: حلب والبعث وتشرين

اليوم، بعد أكثر من 80 عاماً على انطلاق هذه التجربة، التي أثبتت نجاحاً ملفتاً في البداية، يشتكي الكثير من طلاب الطب في الجامعات السورية من أن تعريب الطب يعاني صعوبات كثيرة تنعكس على الطالب وأدائه. ففي حين أن حركة التعريب انطلقت بحيوية وكفاءة في مطلع القرن الماضي، لتضع أسس لغة طبية عربية، رغم الفجوة الكبيرة التي كانت تفصل العرب ولغتهم عن العلوم بشكل عام في ذلك الحين، فإنها اليوم تبدو غير قادرة على متابعة التطورات الهائلة في العلوم الطبية.

إن المكتبة الطبية العربية في وضعها الحالي عاجزة عن استيعاب التطور الهائل والسريع في العلوم الطبية الذي يسير بسرعة أكبر بكثير مما كان عليه في السنوات السابقة، حين كانت حركة التعريب في أوجها. فهذه الحركة التي تقوم على كاهل أساتذة وأطباء سوريا وحدها، تفتقر الآن إلى الإمكانات اللازمة لرفد المكتبة الطبية باستمرار بالعدد المطلوب من الترجمات الحديثة. فالكثير من الكتب المعتمدة في المناهج السورية اليوم لم يتم تجديدها منذ سنوات عديدة؛ وحتى "المعجم الطبي الموحد"، الذي يعدّ المرجع الأساسي للمصطلحات المعرّبة، لم يخضع لأي تطوير أو تجديد منذ سنوات أيضا

في ظل هذا الواقع فإنه لا يمكن للطلاب والأطباء الاستغناء عن المراجع الأجنبية والدوريات والدراسات التي تتضمن كل ما هو جديد في الطب. والكثير من الطلاب يرون أنهم لا يدرسون المقررات العربية إلا لاجتياز الامتحانات الجام.

الاختصاص في الخارج

طلاب آخرون يشكون من أن اللغة العربية تصبح عائقاً لهم حين يقررون الاختصاص في الخارج بعد التخرج. المعلوم أن الكثير من الطلاب السوريين يستكملون اختصاصهم الطبي في بلدان أوروبا أو في الولايات المتحدة، ويكون عليهم حينئذ أن يدرسوا بالإنكليزية أو غيرها من اللغات لاجتياز امتحانات التأهيل والقبول في البلدان التي يرغبون الدراسة فيها، مثل امتحان USMLE الأميركي وامتحان PLAB البريطاني.

الحقيقة أن كليات الطب السورية لا تهمل تدريس اللغات الأجنبية. فهناك مقرر لغة إنكليزية أو فرنسية في السنوات الخمس الأولى من الدراسة الجامعية، كما تقرر العام الماضي تدريس مقرر طبي كامل في كل سنة بالإنكليزية أوالفرنسية. ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار ضعف تعليم اللغة الأجنبية في المرحلة ما قبل الجامعية، وعدم كفاية المناهج الجامعية لجعل الطالب متقناً للغة، فإننا يمكن أن نتوقع الصعوبة التي سيواجهها الطالب عندما يتحول إلى دراسة الطب بلغة أخرى بعد ست سنوات أمضاها في دراسة الطب بالعربية.

وفي مسح أجراه المجلس الصحي الأميركي الدولي AIHC بين الطلاب المتخرجين من الجامعات السورية والذين يعملون أو يدرسون حالياً في الولايات المتحدة، ظهر أن 32 بالمئة من هؤلاء الطلاب اعتبروا أن انتقالهم إلى دراسة الإنكليزية والتحضير للامتحانات الأميركية كان سهلاً، بينما اعتبره 24 بالمئة صعباً، و44 بالمئة صعباً بعض الشيء. وكانت أغلب الصعوبات، حسب الدراسة، متعلقة باللغة وليس بالمصطلحات العلمية، مما يشير إلى إمكانية تجاوز هذه المشكلة بتحسين تعليم اللغة (العامة أولاً ثم الطبية الخاصة) في المرحلة الجامعية وما قبل الجامعية. وقد سئل المشاركون في هذا المسح عن رأيهم في التجربة السورية في تعريب الطب، فكانت النتيجة أن معظمهم (85 بالمئة) يرون أن هذه التجربة "ممكن أن تنجح"، كما أن معظمهم اتفقوا على أن التدريس بالعربية هو ضرورة علمية وثقافية.

ن تجربة تعريب الطب في سوريا هي تجربة رائدة بلا شك، أو أنها بدأت كذلك على الأقل. وقد قطعت الجامعات السورية في ذلك شوطاً كبيراً ، وخرّجت الآلاف من الأطباء الذين أثبتوا نجاحهم داخل البلاد وخارجها. إلا أن هذه التجربة تواجه الآن تحدياً كبيراً يتهدد استمرارها، لا يمكن التغلب عليه إلا بإعادة تقييم التجربة ودراسة نقاط الضعف فيه

وبغض النظر عن قصور المراجع الطبية العربية عن تغطية تطورات الطب المتسارعة، فإن إتقان اللغة الأجنبية –لا سيما الإنكليزية- يبدو ضرورة ملحّة سواء لدارس الطب أو ممارسه. فيجب تطوير طرق تدريس اللغة الأجنبية، وإدخالها بقوة أكبر في مناهج كليات الطب، بحيث يتقنها جميع الطلاب حتى لا تفوتهم فرصة الإطلاع على العلوم الطبية الحديثة شاملة غير منقوصة.

يمكن أن نقول في النهاية أن تجربة تعريب الطب، إن استمرت بشكلها الحالي، تعدّ تجربة أقرب إلى الفشل منها إلى النجاح.


No comments: